العراق/ بغداد - هادي العصامي
تأثر العراق بشدة في السنوات الأخيرة بتغير المناخ، مع تزايد موجات الحر الشديدة التي تتخطى الـ (50) درجة مئوية. كان لتغير المناخ آثار مدمرة على المياه والأمن الغذائي، ممَا يهدد سبل عيش العراقيين.
سارعت وزارة الموارد المائية المعنية بهذا الامر، بعرض تقرير لها خلال مؤتمر بغداد الثاني للمياه الذي عقد في (5 اذار/ مارس 2022)، بحضور جهات حكوميَّة ودوليَّة ومنظمات الأمم المتحدة المعنيَّة بالمياه إضافة إلى جامعة الدول العربيَّة والدول المتشاطئة مع العراق. (ملاحظة/ مؤتمر بغداد الاول للمياه عقد في 13 أذار/ مارس 2021).
أطلقت الوزارة في التقرير تحذيراتها من انعكاس مخاطر انخفاض مناسيب مخزون المياه في العراق إلى النصف خلال العام الحالي، مقارنةً بعام 2021 جراء قلة تساقط الأمطار وانخفاض واردات الأنهار من دول الجوار.
عززت وزارة الموارد المائية تقريرها خلال مؤتمر بغداد بالارقام، وذكرت ان "المخزون المائي المتاح هو أقل بكثير مما كان لدينا العام الماضي بحوالى 50 في المئة بسبب قلة الأمطار والواردات القليلة من دول الجوار".
وجاء في التقرير، ان درجات الحرارة في ارتفاع مطَّرد في جميع أنحاء العراق. ترتفع درجة حرارة البلاد بمقدار (0.7) درجة مئوية عمَّا كانت عليه قبل (100) عام. واعتماداً على كيفية استجابة العالم لتغيُّر المناخ، يمكن أن يرتفع متوسط درجات الحرارة بمقدار (2-3) درجات مئوية على مدار المئة عام القادمة. كما زاد تواتر درجات الحرارة القصوى في العراق، على سبيل المثال، شهدت المحافظات الوسطى والجنوبية موجات حرٍّ تزيد عن (50) درجة مئوية في العقد الماضي ولا تزال الان. ونتيجة لذلك تتأثَّر الموارد المائية بشدة جرَّاء هذه التغيُّرات في درجات الحرارة، وكذلك ان هذا الخطر يهدد الأمن الغذائي، اي سبل عيش المواطنين.
وتضمن التقرير ايضا، أن سنوات الجفاف المتعاقبة (2020 و2021 و2022)، كان له تأثير كبير في الوضع العام، هذا بالتأكيد يعطينا تحذيراً لكيفية استخدام المياه خلال الصيف والموسم الشتوي المقبلين، والأخذ في الاعتبار تلك العوامل لنخطط وفق هذه المعطيات للموسم الزراعي.
ورأت الوزارة انشاء سدود وخزانات في مدن وسط وجنوب العراق لخزن المياه واستخدامها في موسم الجفاف، "عملية غير مجدية"، وان المياه المخزنة ستتعرض الى التبخر بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في تلك المدن.
ويحصل العراق على مياهه من أنهر عدة يشترك بها مع دول أخرى، لا سيما نهري دجلة والفرات مع تركيا وسوريا. وبحسب وزارة الموارد، فإن بناء سدود من قبل هذه الدول على مياه المنبع يقلل من تدفقها عند وصولها إلى العراق، وفقا لوزارة الموارد المائية العراقية.
اهتمام وقلق أممي
اكتسب هذا الملف أهمية أكبر لدى بعثة الأمم المتحدة في العراق، والفريق الاستشاري المختص، اذ ابلغت رئيسة البعثة جينين بلاسخارت، مجلس الأمن الدولي خلال إفادة لها قدمتها في جلسة عقدت بنيويورك في (17آيار/ مايس 2022)، ان التصحر في العراق بات "مصدر قلق رئيس".
وقالت في الكلمة، ان "العراق يتعرض الى عواصف ترابية مستمرة، والموجة الحالية تفوق بكثير ما خَبِرَهُ في السنوات الأخيرة. في شهر شباط الماضي، تحدثتُ عن أخطار التغير المناخي وآثاره، مع اعتبار التصحر مصدر قلق رئيسي. واستمرار التقاعس عن عمل شيء سيكون له ثمن باهظ على حياة المواطنين، خاصة وان الجفاف ينذر بكارثة تهدد الامن الغذائي في العراق".
وعلى هذا الاساس، اطلقت الامم المتحدة في (29 حزيران/ يونيو 2022)، مشروع جديد مصمم لتسريع العمل المناخي في العراق، من خلال شراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة البيئة العراقية، بتمويل من حكومتي المملكة المتحدة وكندا.
يستغرق العمل في المشروع عامين متتاليين، لتعزيز قدرة العراق على التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف مع آثاره من خلال إدارة الموارد الطبيعية، وتطوير العمل في الموارد المتجددة، وزيادة المرونة في مواجهة المخاطر الناجمة عن المناخ. (بيان منشور على موقع الامم المتحدة في 29 حزيران/ يونيو الماضي).
غذاء العراقيين بمواجهة الجفاف
يشكّل التغير المناخي تهديدًا كبيراً للعراق، بسبب آثاره على السكان. التغير لا يتعلق فقط بدرجات الحرارة المرتفعة والجفاف، بل يشمل الطقس وقلة الأمطار والقطاع الزراعي ومصادر المياه وانبعاثات الغازات وغيرها، بحسب وزير البيئة جاسم الفلاحي.
من هنا، يتضح أنّ الأمن الغذائي يرتبط بشكل وثيق بالمناخ والطقس والظروف البيئية للعراق، وفقا للفلاحي، الذي أكد، ان العراق من أكثر البلدان تأثراً بالمناخ في العالم، وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات مناخية عاجلة لحماية البيئة للأجيال القادمة.
وفي آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فان تغيُّر المناخ يمثل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي العالمي والتنمية المستدامة وجهود القضاء على الفقر. وتساعد الوكالة الدول الأعضاء بينها (العراق) على استخدام تقنيات لقياس أثر تغيُّر المناخ والتكيف مع آثاره، مما يساعد في تحسين الزراعة وقدرة نُظم إنتاج الأغذية على الصمود.
وبهذا الصدد، يرجح الدكتور عادل شريف العنكوشي/ استاذ هندسة المياه والطاقة المتجددة في جامعة سري البريطانية، ان "تؤثر قلة المياه بصورة مباشرة على زراعة المحاصيل الستراتيجية كالحنطة والشعر والرز. الجفاف سيوسع مساحات المناطق الصحراوية على حساب الاراضي المزروعة، نتيجة عدم قدرة وزارة الزراعة على اجراء عملية البزل (غسل التربة من الاملاح)، فضلاً عن حاجة بعض المحاصيل الزراعية الى كميات كبيرة من المياه خلال زراعتها كالرز، والانسب هو تركه والاعتماد على المستورد خلال فترة الجفاف".
لكن العنكوشي، يخالف رؤية وزارة الموارد المائية التي رفضت في تقريرها، خزن المياه في سدود او خزانات بمناطق وسط وجنوب العراق، بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في تلك المناطق وامكانية تعرض تلك المياه الى التبخر.
الحكومة بمواجهة الازمة
أصبحت الحبوب كالحنطة (القمح) والشعير وهي المحاصيل الستراتيجية في العراق التي تساهم بتعزيز الأمن الغذائي للمواطنين، ملفاً معقداً ينذر بأزمة مرتقبة، وذلك لزيادة الطلب الداخلي عليه نتيجة ضعف إنتاجه المحلي، وقلة المستورد منه لارتفاع أسعاره في الاسواق العالمية، بسبب الحرب الروسية الاوكرانية.
وفي ذات السياق، يصف وكيل وزارة الزراعة العراقية مهدي الجبوري العام الحالي بالاسوأ الذي مر في تاريخ الوزارة، ويعزو السبب الى ارتفاع أسعار المحاصيل الستراتيجية من الحنطة والشعير، فضلا عن ندرة مياه الأمطار على العراق وقلة المخصصات المالية من الحكومة.
"خفضت خطة الاستزراع ضمن خطة العام الحالي، وفقا للجبوري، الى 50%، بواقع 2.5 مليون دونم (1 دونم يعادل 2500 متر)، بعدما كانت 5 ملايين دونم، وان محافظة ديالى(تقع على بعد 30 كم شمال العاصمة العراقية بغداد)، هي المتضرر الأكبر في هذه الخطة".
وقال الجبوري، إننا نشهد للعام الثاني على التوالي جفافا كبيراً، وهذا انعكس على الخزين المائي والايرادات المائية في نهري دجلة والفرات. الشحة المائية كان لها اثر واضح على القطاع الزراعي بصورة كبيرة في البلاد، وتأثرت المساحات الزراعية في مدن الوسط والجنوب.
من جانبه، عزز رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق حيدر عبد الواحد العصاد، المعلومات التي وردت على لسان وكيل وزارة الزراعة بالقول، إن "المساحات المروية خلال العام الماضي وصلت الى 5 ملايين دونم، وخفضت الان الى 2.5 مليون دونم لمحصولي الحنطة والشعير. الازمة الحالية تنذر بكارثة. الفلاحون في جميع مدن البلاد تعرضوا الى الضرر، والكثير منهم هجروا اراضيهم صوب المدن لايجاد فرص عمل بسبب شحة المياه في مناطقهم الاصلية، واخرون ينتظرون رحمة السماء".
كل ما انتج من الحنطة، بحسب العصاد، يتم استلامه من قبل وزارة التجارة بغض النظر عن درجاتها وبسعر 750 الف دينار عراقي(500 دولار أمريكي)، وتسلم الفلاحين مستحقاتهم المالية. الان توقف الفلاحون عن العمل وهم يراقبون اراضيهم وهي تتحول الى اراض جرداء.
وفي سياق متصل، يرى المتخصص الدولي بالأمن الغذائي، فاضل الزعبي، إنه "من الضروري لجوء العراق إلى مياه التحلية لمناطق الجنوب لأغراض الزراعة والشرب، والاعتماد على البذور التي تقاوم الملوحة العالية".
الزعبي الذي كان يشغل منصب ممثلاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في العراق (الفاو) يقول أن دور العراق يعتمد على المياه العابرة للحدود، والدول التي فيها الأنهار سينخفض منسوب المياه فيها، وبين أن هذه الدول بسبب هذا الانخفاض لا تعطي الحصة الكاملة بالتزامن مع شحة الأمطار مما سيؤثر في الخزين المائي والمياه الجوفية.
وأعطى الزعبي احدى الحلول التي تمثلت في استخدام مياه التحلية، التي لو بدأ العراق بإنشاء تلك المحطات قبل 15 سنة لكانت أرخص بكثير، لافتاً إلى أن هذه الحلول طرحت على الحكومة العراقية منذ عام 2007.
"بالإمكان تزويد المناطق الجنوبية بمياه التحلية من مياه الخليح وكذلك المناطق الشمالية والوسطى تعتمد على مياه الأنهار. المياه المحلاة ممكن ان تُحلى بدرجات مختلفة تكون إحداها للشرب وأخرى للزراعة"، وفقا للزعبي.
من جهتها، اعلنت وزارة التجارة العراقية، في بيان رسمي لها في (13حزيران/ يونيو 2022)، عن خطتها التي ستنفذ من خلال "القانون الطارئ للأمن الغذائي"، لشراء 5 ملايين طن من القمح، 3 ملايين طن منها حاجة البلاد الفعلية ومليونا طن للمخزون الستراتيجي.
وفي 9 من حزيران/ يونيو الماضي، اقر مجلس النواب العراقي، قانوناً تحت عنوان (الدعم الطارىء للأمن الغذائي والتنمية)، الذي يهدف إلى "تحقيق الامن الغذائي وتخفيف حد الفقر وتحقيق الاستقرار المالي في ظل التطورات العالمية الطارئة"، بحسب رئاسة المجلس.
وتبلغ القيمة الإجمالية للقانون 25 تريليون دينار عراقي(نحو 17 مليار دولار)، بضمنها مبلغ 5,5 تريليون دينار عراقي (حوالي 3,2 مليار دولار) لشراء محصول الحنطة المحلية والمستوردة، استعدادا منها لمواجهة الازمة.