متابعة- الاتجاه
بين "كتائب القسام لا تقتل الأطفال"، و"هؤلاء حيوانات بشرية"، تتجلى المقارنة واضحة بين صاحب الحق، وقبله المبادئ، ومحتلٍّ لا يرقب في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّة؛ كبيرا كان أم صغيرا، ورجلا أم امرأة، فالكل في نظره يستحق الموت وبأبشع طريقة.
هذا ما أسفرت عنه بوضوح الأيام الأربعة لـ"طوفان الأقصى"، وهو واضح من قبل أصلا؛ فجرائم الاحتلال أكثر من أن تُحصى، وأوضح من أن تُدارى.
وفي الحروب لا يُسمع -عادة- إلا لغة الرصاص، كما لا يُرى إلا لون الدماء.. لكن ثمة طرفا يحافظ دائما على مبادئه الدينية والأخلاقية، والحق ما شهدت به الأعداء؛ فقد نشرت القناة الـ12 الإسرائيلية صورة لعبارة كُتبت على أحد الجدران في المناطق التي اقتحمتها المقاومة الفلسطينية: "القسام لا يقتل الأطفال".
وعلى قلة كلماتها، فقد لخصت العبارة أحد المبادئ الأخلاقية لـكتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقد بدا ذلك واضحا خلال ساعات سيطرة المقاومة الفلسطينية على العديد من البلدات والمستوطنات الإسرائيلية، فقد حرصت على عدم استهداف الأطفال. ولو حصل، لكانت صورة واحدة من ذلك كفيلة لأن تتصدر شاشات ومنصات الإعلام الإسرائيلية والغربية على مدار الساعة.
تدخل مجموعة من مقاتلي المقاومة إحدى المستوطنات -التي أُقيمت أصلا على أرض مغتصبة من أصحابها- فيجدون امرأة مسنة طريحة الفراش، فيبادر أحدهم إلى تهدئتها قائلا: "وصية رسول الله لنا ألا نقتل امرأة ولا طفلا ولا شيخا ولا عابدا في صومعته". ويضيف "نفّذنا وصية الرسول.. قتلنا المحاربين وأبقينا النساء والأطفال".
لكن هذا التشبث بالقيم -رغم الألم- لم يجد له صدى لدى الواقفين خلف إسرائيل؛ فالإعلام الغربي يصف الضحايا في إسرائيل بالقتلى، ويصفهم في فلسطين بـ"الموتى" فحسب، كأنهم ماتوا هرما أو مرضا، لا بأفظع الأسلحة الآتية من الغرب.
وشهد شاهد من أهلها
مقطع آخر بثته أيضا القناة الـ12 الإسرائيلية، تروي فيه مستوطنة كيف رفض مقاتلو المقاومة الفلسطينية إيذاءها رفقة طفليها خلال عملية طوفان الأقصى.
وتحدثت المستوطنة عن لحظة اقتحام مقاتلي كتائب القسام بيتها قائلة "بعد أن دخلوا قلت لهم باللغة الإنجليزية لديّ ولدان، معي أطفال، وردوا عليّ بالقول: "نحن مسلمون لن نؤذيكم" وتضيف "هذا فاجأني وطمأنني أيضا".
ومساء الثلاثاء، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدم امتلاكه أي معلومات تؤكد مزاعم "قيام عناصر حماس بقطع رؤوس الأطفال".
بدوره، قال الصحفي الإسرائيلي أورن زيف إنه تفقد المناطق التي شملتها عملية طوفان الأقصى، ولم يجد أي دليل على ذبح مقاتلي كتائب القسام، الأطفال، كما تشير الدعاية الصهيونية وأبواقها الغربية. ويشير أيضا إلى أنه حتى جيش الاحتلال لم يدّعِ ذلك.
أما النائبة في البرلمان الأوروبي كلير دالي فسبق أن قالت بوضوح إن أكثر من 150 ألف فلسطيني قُتل أو جُرح بسبب الانتهاكات الإسرائيلية منذ عام 2008، من بينهم 33 ألف طفل، بينما الاتحاد الأوروبي يطلق على إسرائيل "أصدقائنا". وعلقت على ذلك بالقول "لا يمكن أن نسمي أنفسنا حراس القيم ونحن نستمر بتسمية إسرائيل بالصديق".
بدورها، نفت حركة حماس، بشكل قاطع "كذب الادعاءات الملفقة التي تروّج لها بعض وسائل الإعلام الغربية والتي تتبنى بشكلٍ غير مهني الرواية الصهيونية المليئة بالأكاذيب والافتراءات على شعبنا الفلسطيني ومقاومته، والتي كان آخرها الادعاء بقتل أطفال وقطع رؤوسهم واستهداف مدنيين".
واعتبرت الحركة هذا "التبني والانحياز للرواية الصهيونية دون تحقّق، ما هو إلا سقوط إعلامي في محاولة للتستر على جرائم الاحتلال ومجازره التي يرتكبها ليل نهار في غزة والتي ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية باستهدافه المدنيين وقطع الكهرباء والماء والمواد الغذائية والطبية عنهم".
لكن -في مقابل ذلك- فإن العشرات من أطفال غزة كانوا ضمن بنك أهداف الاحتلال الإسرائيلي الباحث عن انتقام من تلك "النكبة" التي أصابته، ولو على جثث الأطفال.
الكل مُستهدف!
ولا يفرّق الاحتلال في استهدافه للفلسطينيين بين صغير وكبير، فقد طالت آلة القتل الإسرائيلية الجميع.
ويفاخر قادة الاحتلال بذلك، فوزير الدفاع يوآف غالانت يقول "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة.. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام.. نحن نقاتل الحيوانات البشرية ونتصرف وفقا لذلك".
أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد دانيال هغاري فقال إن "المعابر مغلقة في القطاع، لا يوجد كهرباء، لا أحد يدخل أو يخرج.. غزة تحت الحصار"، معلنا أن "هناك المئات مدفونون تحت المباني في هجماتنا".
وحتى مساء الثلاثاء، وصلت أعداد الشهداء جراء القصف الإسرائيلي لغزة إلى أكثر من ألف شهيد، منهم 260 طفلاً و230 سيدة، إضافة إلى إصابة 4500 آخرين بجروح، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة في غزة التي أكدت أيضا أن 60% من الشهداء والمصابين من النساء والأطفال.
وقد أُبيدت 22 عائلة فقدت 150 شهيدا من أفرادها. وطال القتل أيضا الكوادر الصحية، حيث استشهد 6 منهم وأصيب 15 آخرون.
حتى المساجد هُدّمت
وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي يستهدف في المقام الأول المسجد الأقصى المبارك -على حرمته وقدسيته الكبيرة لدى المسلمين- فهو على استهداف غيره من المساجد أجرأ.
ومنذ بدء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، قصفت طائرات الاحتلال 8 مساجد، ما تسبب في استشهاد وجرح عشرات المدنيين الفلسطينيين.
وتسببت غارة إسرائيلية في تدمير مسجد الحبيب محمد في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة. وفي بلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، استهدفت غارات الاحتلال مسجدي سعد الأنصاري وطيبة.
أما في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فدمّر القصف الإسرائيلي 3 مساجد هي مسجد أحمد ياسين، ومسجد الغربي ومسجد السوسي.
بدوره، تعرض مسجد اليرموك في حي الرمال للقصف الإسرائيلي، كما دُمّر مسجد العباس بشكل شبه كامل.
لكن لماذا يفعل الاحتلال ذلك؟
ويبقى السؤال لماذا يتعمّد الاحتلال الإسرائيلي استهداف المدنيين؟ وما الفكرة وراء تدنيس وهدم أماكن العبادة؟ وما دوافعه في قتل النساء والأطفال؟
الإجابة يُقدّمها الحاخام مانيس فريدمان في كتابه "الجريمة المقدّسة" قائلا "إنني لا أؤمن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تدمر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تطلق النار قبل أن يُطلقها عليك الآخرون، لأن ذلك كله عمل غير أخلاقي. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية".
ويوضح ذلك قائلا "دمّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم".
وربما يحتاج توثيق المذابح والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين إلى مجلدات ومجلدات، لكن يكفي أن تسمع ما قاله عسكري إسرائيلي متقاعد في فيلم وثائقي سلط الضوء على مذابح قرية الطنطورة الفلسطينية عام 1948.
ويصف -ضاحكا- الأحداث التي وقعت في القرية بـ"المجنونة والمرعبة"، وقد اغتصب أحد الجنود فتاة لم تتجاوز الـ16 من عمرها، بينما جمع آخر رجالا من القرية ووضعهم في قفص حديدي قبل أن يُطلق عليهم الرصاص من رشاشه، مؤكدا أن أحدا لم يُحاسب بعد ذلك.
ويقول عسكري آخر إنه كان يقتل حتى طلاب المدارس رغم رفعهم أياديهم إظهارا للسلمية. وتتعالى ضحكاته وهو يقول إنه أنهى 250 رصاصة كانت بحوزته، لكنه لم يتمكن من إحصاء عدد الأطفال الذين قتلهم.
لكن إذا كانت دولة الاحتلال تفعل ذلك وتبرره بأنها على خط المواجهة مع المقاومين، فما الذي يجعل الغرب يوافق على ذلك، بل ويدعمه؟
ربما يكون في حديث المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري إجابة عن ذلك "تأييد الغرب لإسرائيل جزء من نمط أكبر، وهو الإيمان الكامل بشريعة القوة والغاب والإمبريالية والعنصرية، لا شريعة العقل والعدالة"!