متابعة - الاتجاه

حفلت الصحافة الغربية خلال الأسبوع الفائت، بتقارير وأخبار ورد فيها بشكل متكرر إشارات إلى أنّ الربيع الأوكراني سيكون "ملتهباً" عسكرياً.

وفي حين تحدثت صحف ومواقع عدة عن تحضيرات لهجوم روسي كبير على الجبهة الأوكرانية مع انتهاء أجواء الشتاء الحالي وما يفرضه من اعتبارات لوجستية وعملياتية، تحدثت أخرى عن أنّ الغرب يعدّ الجيش الأوكراني لهجوم واسع في الربيع على غرار ما حصل في الخريف الفائت.

وذكرت شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية، الجمعة، نقلاً عن "كبار مسؤولي البنتاغون"، أنّ "الأشهر القليلة المقبلة حاسمة بالنسبة للهجوم المضاد في أوكرانيا في الربيع". وأشارت في تقريرها إلى أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أكّد أنّ "هناك فرصة سانحة قبل الربيع، لتزويد أوكرانيا بالقدرات التي تحتاجها للشروع في الهجوم".

كما لفتت إلى أنّ رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، الذي التقى مع أوستن ممثلين من 54 دولة في اجتماع موسّع لمجموعة الاتصال الدفاعي الأوكراني في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا في نفس الأسبوع، صرّح عقب الاجتماع بأنه "سيكون من الصعب جداً جداً عسكرياً إخراج روسيا بالكامل من أوكرانيا هذا العام".

ولكنّه أوضح أنه "اقترح أن ينفّذ الأوكرانيون عملية ناجحة لاستعادة بعض الأراضي التي تحتلها روسيا، اعتماداً على التدريب والمعدات الجديدة التي سيتلقونها في الأشهر القليلة المقبلة".

من جهة أخرى، نشرت شبكة "سي إن إن" الأميركية اليوم الإثنين، تقريراً مطوّلاً يركّز على تدريب القوات الأوكرانية، على ما توقعت أن يكون "ربيعاً وحشياً في أوكرانيا". وقالت إنّ "الأوكرانيين يخشون من أنّ هجوماً روسياً ثانياً، على غرار شباط/فبراير الفائت، قد يبدأ في غضون شهرين، إذ بحلول الربيع سيكون نحو 150 ألف روسي، تمّ تجنيدهم في الخريف الماضي، قد تمّ تدريبهم ودمجهم في وحدات جاهزة للمعركة".

كذلك، ذكرت شبكة "فرانس24" الفرنسية، الجمعة، أنّ "مسؤولاً أميركياً كبيراً أوضح لها أنّ "أوكرانيا يجب ألّا تركز اهتمامها على الدفاع عن مدينة باخموت، لأنّ المهمة الأكثر أهمية تتمثل في التحضير لهجوم الربيع المتوقع على نطاق واسع، لتحقيق مكاسب كبيرة ضد الروس في الجنوب".

كما نشر موقع وكالة "يورونيوز" تقريراً عن الموضوع، توقّع فيه أنّ الأمور في أوكرانيا تتجه نحو "نقطة حاسمة"، ونقلت فيه عن العقيد السابق في الجيش الأميركي ليام كولينز قوله إنّ "أوكرانيا بحاجة إلى شنّ هجوم قبل ذوبان الثلوج في الربيع، لأن الأمور ستصبح أصعب بعد ذلك". وأوضحت، نقلاً عن المحلل الأوكراني في مجلس حلف الأطلسي بيتر ديكنسون، أنّ "أوكرانيا تحشد القوات والذخيرة لشنّ هجوم كبير جديد على المواقع الروسية"، مشيراً إلى أنّ "شنّ هجوم جديد سيكون أيضاً حاسماً للحفاظ على دعم المجتمع الدولي وإثبات أنّ جهود الغرب المالية والعسكرية الضخمة لأوكرانيا تؤتي ثمارها".

ويبدو من خلال الحديث بشأن هذا الهجوم، مع المخاطرة بكلّ تبعاته المحتملة على الحرب والجبهة ومعنويات الجنود الأوكران والمواطنين الأوروبيين، أنّ قراراً واضحاً اتخذ بهذا الشأن عند الطرفين، أدّى إلى أن تكون اللغة المستخدمة حاسمة إلى هذه الدرجة.

 

هل من الضروري الانتظار حتى حلول الربيع؟

يغطي الجليد في هذه المرحلة من القتال معظم أراضي الميدان في الجنوب ووسط وشمالي دونباس، إذ يمكن أن تصل درجات الحرارة المتدنية إلى نحو 8 تحت الصفر في خاركوف و4 تحت الصفر في زاباروجيا و2 تحت الصفر في خيرسون، ما يضمن أن تتحوّل برك الطين التي تشكّلت مطلع الشتاء إلى مسطحات متجمدة.

ويستمرّ الجليد في تغطية جزء كبير من الميدان الأوكراني حتى أواخر شباط/فبراير عادة كحدّ أدنى، ولكن في العديد من السنوات يستمرّ الجليد حتى أوائل شهر نيسان/أبريل ويتأخر في الذوبان، كما حصل العام الفائت، ما سمح لروسيا بإطلاق عمليتها العسكرية في أواخر شباط/فبراير، معاكسة العديد من التوقعات.

واليوم، وفي مفارقة للسائد، يستمرّ التقدّم الروسي البطيء والمستمرّ على عدة محاور في جبهات دونيتسك وزاباروجيا، بينما يبدو أنّ الطرف الأوكراني أقلّ حظاً من الاستفادة من الشتاء، الذي وقف تاريخياً في المعارك العسكرية إلى جانب المدافع، الذي يحتاج إلى القدر الأقلّ من الحركة والسرعة في قتاله، بينما يكون أكثر إزعاجاً للمهاجم الذي سيواجه الكثير من المصاعب الإضافية لتحقيق المباغتة والغلبة. 

 

لماذا لا ينطلق الهجوم الروسي الآن؟

وعلى الرغم من أنّ الطرفين، الروس والأوكرانيين، يفترض أن يكون التوقيت المثالي لإطلاقهما أي عملية عسكرية واسعة هو الآن، لاستغلال الشتاء ضدّ الخصم والاستفادة من الجليد لإمكانية نقل المعدات الثقيلة والآليات والمدرعات والجنود بشكل سريع وفعال، وكذلك لضمان عدم قدرة الخصم على الإعداد السريع لهجوم مضاد، يبدو الأمر مستبعداً.

فالروس، من جهة، لا يريدون الاستعجال في شنّ هجوم قبل اتمام تدريب القوات الإضافية التي تمّ استدعاؤها الخريف الفائت خلال عملية التعبئة الجزئية، إذ وصل عدد الملتحقين بالجيش إلى 300 ألف روسي، يقومون الآن بتدريبات على مستويات عدة في روسيا وبيلاروسيا، ويستفيدون من تجربة هجوم الشتاء الفائت لتحقيق فعالية قصوى.

كما يقوم الروس حالياً بعملية مكثّفة لإعادة ملء المخازن العسكرية بالذخيرة، وتجهيزها لهجوم كبير قد يحتاج آلاف الأطنان منها، فيما تعمل المصانع الروسية على إنتاج عشرات من دبابات "تي-90" الحديثة، وإعادة تأهيل الدبابات التي شاركت في العملية وتضررت، بالإضافة إلى صيانة الآليات والمدرعات وإنتاج المئات منها.

 

هل تستفيد أوكرانيا من تأخير هجومها المفترض إلى  ما بعد الشتاء؟

أما أوكرانيا، في الجهة مقابلة، فمع تكبّدها خسائر فادحة خلال العام الفائت في صفوف الجيش النظامي، تقوم حالياً بتدريبات واسعة ومركّزة لقواتها الجديدة المكوّنة من موجات التعبئة الواسعة، غربي أوكرانيا وفي بولندا وألمانيا وبريطانيا، مع طواقم تدريب بريطانية وأميركية وأوروبية مختلفة، وعلى عدة مستويات، لا سيما للتعامل مع الأسلحة الأميركية والغربية الجديدة التي وصلت إليهم مؤخراً.

وتتحدث الأرقام المنشورة عن تشكيل 3 فيالق قتالية أوكرانية، بعدد إجمالي يصل إلى 75000 عسكري، يتمّ الآن تسليحهم من قبل دول الناتو، ويتمّ تدريب 15 ألف جندي أوكراني في دول الاتحاد الأوروبي، منهم 10 آلاف في بريطانيا وحدها.

ويحتاج العسكريون الأوكران حالياً إلى "أخذ نفس" بعد ضغط كبير استمرّ على مدى الشهور الماضية على مختلف الجبهات، ما أدّى إلى إنهاك قدرة القوات الأوكرانية على التعامل مع التكتيكات الروسية الجديدة المعتمدة في المعارك، والتي باتت تركّز على اعتماد قوات نخبوية في عمليات مركزة مع إسناد مدفعي وجوي.

وبدا واضحاً أنّ التكتيكات الروسية الجديدة في القتال آتت أكلها وإن بدت بطيئة للمراقبين، بعد تقدمات سريعة سابقة وانسحابات سريعة مؤخراً كان أبرزها خاركوف وخيرسون، ولكنّ التقدم الروسي الجديد يدلّ على اختلاف في الاستراتيجية المعتمدة في القتال، لصالح الحفاظ على القوات وتثبيت التقدم والعمل على استنزاف العدو على جميع المستويات، وهو ما يجري حالياً في باخموت، أرتيوموفسك وبدأ ينتقل إلى زاباروجيا.

ويشكّل هذه التقدّم "البطيء" مصدر قلق كبير للأوكران، فمن غير الواضح إلى أين ستصل حدوده حتى نهاية الشتاء، كما أنه من غير المضمون أيضاً أن يبقى بطيئاً، إذ يمكن أن يتحوّل بشكل مفاجئ إلى عملية عسكرية واسعة تأخذ خطوط الدفاع الأوكرانية "على حين غرّة"، ولا شكّ أنّ التقدّم الذي يحصل في زاباروجيا حالياً بعمق عدة كيلومترات يشكّل نوعاً من الاختبار لقدرة الأوكرانيين على الاستمرار في الدفاع بشكل فعال.

لكنّ المشهد الأهمّ أوكرانياً يحصل  خلف الجبهات، فبالإضافة إلى التدريبات، تقوم القوات التابعة لكييف بحفر خنادق واتخاذ مراكز قتالية دفاعية في محيط المدن الرئيسية وخلف خطوط الدفاع الحالية، في رهان على أنّ القوات الروسية التي قد تجتاز خطوط الدفاع الراهنة يجب أن تصطدم بعدة خطوط دفاع لتكبح تقدّمها وتسلبها المباغتة والسرعة.