الاتجاه - مقالات
بقلم: بلال الخليفة
يعني افلاس الدولة انها اصبحت عاجزة عن سداد ديوانها أو الوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى مثل دفع ثمن ما تستورده من بضائع وسلع بالإضافة الي عدم قدرتها على دفع الأجور والرواتب، كما لا تستطيع تسيير أمورها الاقتصادية دون مساعدة من غيرها.
كما يمكن تعريفه اقتصاديا بـ “الأزمة في ميزان المدفوعات “. وإفلاس الدولة يلحقه انهيار لعملتها ولنظامها البنكي مما قد يترك أثرا قاسيا وطويل الأمد في الاقتصاد الإنتاجي وفي مكانتها المالية.
ويحدث الإفلاس إذا وجدت دولة ما نفسها عاجزة عن دفع أثمان وارداتها بسبب افتقارها الى العملة الصعبة، فإنها اعتياديا تلجأ إلى صندوق النقد الدولي أو إلى الدول الأخرى لاقتراض المبالغ الضرورية، أما إذا أخفقت في ذلك، فلن تتمكن من استيراد السلع والخدمات الضرورية، وهو احتمال خطير جدا.
أمثلة لإفلاس الدول
1 – اسبانيا
اسبانيا في القرن السادس عشر أفلست 4 مرات بسبب الإنفاق العسكري لحماية تجارتها مع أمريكا. كما افلست عام 1820 عدة دول منها أمريكا اللاتينية بسبب دخولها في سوق السندات في لندن.
2 – أيسلندا
تم تحرير النظام المصرفي في آيسلندا عام 2001، مما سمح للبنوك الكبرى بالاستدانة بأحجام ضخمة لتمويل مشاريع التوسعة الاقتصادية. إلا أن هذه البنوك سرعان ما اصطدمت بالانهيار الذي حدث في القطاع المالي الأمريكي عام 2008. فوجدت البنوك الأيسلندية نفسها غير قادرة على تمويل ديونها، حتى تضاعفت ديونها بشكل هائل وصل الى أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وكانت النتيجة هي سقوط أكبر ثلاثة بنوك أيسلندية، فوجدت الدولة نفسها في براثن الركود، وانكمش اقتصادها بنسبة 10% لعامين كاملين.
3 – الارجنتين
اعتُبِرَ الاقتصاد الأرجنتيني من أفضل دول أمريكا اللاتينية على الإطلاق خلال حقبة التسعينيات، إلا أن أمرا حدث دفعها للانهيار عام 2001. وسبب الإفلاس هو ربط البيزو بالدولار الأمريكي، ليخرج الدين العام عن السيطرة، في ظل استشراء الفساد، فوصل الامر الى ان وجدت الدولة نفسها بحلول عام 2001، عند بطالة لامست مستويات 20%، ثم لتعلن الدولة أكبر تخلف عن سداد ديونها في التاريخ.
4 – روسيا
تأثر اقتصاد روسيا بالأزمة المالية الآسيوية التي ضربت في النصف الثاني من التسعينيات. حيث انخفض طلب العديد من الدول على النفط الروسي، وهو ما سبب مشكلة للدولة على صعيد قدرتها على سداد ديونها. وقد أدت أزمة الروبل في عام 1998 إلى خسارة سوق الأوراق المالية الروسية 75% من قيمتها ووصل التضخم إلى 80% مع فرار المستثمرين من السوق.
5 – المكسيك
الدين للمكسيك ازداد وبشكل رهيب بسبب برامج التوسع المالي الهائلة لإدارة لويس إتشيفريا، وذلك في أعقاب الصدمة النفطية في أواخر السبعينيات وتدهور الاوضاع الاقتصادية. فانخفضت قيمة البيزو المكسيكي بنسبة 50%، ولكن الدولة وخلال أول عامين من الأزمة كانت قادرة على الوفاء بديونها. لكن لم تستطع ان تصمد كثيرا، وأصبحت الدولة بعد ذلك غير قادرة على سداد ديونها لصندوق النقد الدولي، وقروض الولايات المتحدة الامريكية.
6 – لبنان
قبل يومين أعلنت الحكومة اللبنانية ومحافظ البنك المركزي اللبناني عن افلاس الحكومة اللبنانية، حيث ان الاقتصاد اللبناني ومنذ سنتين هو يحتضر حتى وصل الامر به الى اعلان إفلاسه، كانت النتيجة معروفة ومتوقعه لكل متتبع، اما أهم أسباب إفلاس الدولة هي ارتفاع الاقتراض، وارتفاع سعر الفائدة المصرفية، ونقص الدخل العام، وتضخم السعر، وانهيار قيمة العملة الوطنية.
وكذلك توجد أسباب أخرى هي أخطاء السياسات الاقتصادية للبلاد، وخاصة السياسات المالية والسياسات النقدية، والدعم المصطنع لقيمة الليرة، وعدم استقرار سعر الصرف مقابل الدولار، والفساد المالي والسياسي، وتهريب السلع التي تدعمها الدولة، والحصار الأميركي لأنشطة المصارف اللبنانية التي لديها علاقة مع إيران
الأسباب الرئيسية للإفلاس:
1 -عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليا أو جزئيا. أي لا تستطيع ان تدفع الديون اللازمة لتشغيل الدولة ولا تدفع فوائد الديون مثلاً، وتحدث في نهاية سنوات طويلة من الاستدانة والعجز في الميزانية.
2 -تغيير الحكومة وذلك في حالات الثورات مثلا ورفض الحكومة الجديدة الالتزام بالديون السابقة للنظام “الفاسد” مثل ما حدث أثناء الثورة الفرنسية.
3 -انهيار الدولة: بسبب خسارتها لحرب أو انقسامها إلى عدة دول مثلا، وهنا ينتقل الدين إلى النظام الجديد أو الدول الجديدة التي حلت مكانها جغرافيا.
4 -الإفراط في الإنفاق الحكومي وتراجع أهم الصناعات في البلاد.
5 -انخفاض حاد في الإيرادات العامة.
6 – وبسبب إصدار قوانين جديدة تخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد. (النقد والبنك الدولي)
7 -انخفاض تحصيل الضرائب والرسوم نتيجة الإعفاءات والفساد.
8 – ان سياسة النقد والبنك الدولي هي خطرة جدا في حال تم طلب اقتراض واستدانة منها، لأنها تملي شروط قاسية مقابل تلك الأموال وحتى ان نهضة ماليزيا ورغم حاجتها للأموال آنذاك، قد رفضت الاستدانة من البنك الدول، لان كثير من الدول تعتبر ذلك فخا، وان سياسته هي للسيطرة على اقتصادات العالم. بعد الإفلاس ان الحكومات تحتاج لخطط انعاش وانقاذ بالدين والمساعدات الدولية وعادة ما تتم تلك الإجراءات تحت وصاية النقد الولي وبالتالي يتحقق مرادهم بالسيطرة الاقتصادية وهو اسهل طريقة للضغط على الحكومات عن طريق الشعب.
اثار اعلان الإفلاس
أولا: الاثار على الدائنين:
اختفاء أو خسارة كل أو جزء من الأموال التي أقرضوها لتلك الدولة أو الفوائد على تلك الديون، وفي العادة يكون هناك مفاوضات يستردون بموجبها بعض تلك الأموال. وقد تصل الخسارة إلى 75% من أموالهم كما حدث مع الأرجنتين.
ثانيا: التبعات على الدولة:
الإيجابي: انخفاض مصروفات الدولة تجاه الدائنين حيث تتوقف عن دفع مستحقاتهم.
السلبي: تدمير الثقة في البلد مما يعني عدم إمكانية الحصول على قروض جديدة من سوق المال.
ثالثا: التبعات على المواطنين:
1 -أكثر الفئات التي يقع عليها الضرر هم العاملون في القطاع الحكومي بأشكاله المختلفة قطاع عام وأعمال واستثماري والعاملون بالدولة، لأن لهم مرتبات وأجور لن تصرف في هذه الحالة والدولة تتفادى الوصول لهذه النقطة بتصفية العمالة رويدا رويدا.
2 -سوق العمل نفسه سيتأثر بسبب التضخم الرهيب الذي سيحدث، وبالتالي سيزيد المعروض من عنصر العمل وتقل الأجور.
3 -تسهيلات ضريبة مفتوحة لكبار المستثمرين مع زيادة فرض الضرائب والاتاوات-طوابع الدمغة والخدمات -على عموم المواطنين.
4 -عدم السيطرة على الأسعار وازدياد التضخم.
5 -ما يحدث بالدولة يحدث للمواطنين أي سيصلون لنقطة يعلنون فيها إفلاسهم أيضاً! وتصبح المحصلة النهائية هي مواطنون فقراء للغاية ومفلسين والدولة سترهبهم بتحميلهم الديون بالاقتسام عليهم.
خطوات لتجنب الإفلاس
فقبل أن تصل إلى درجة الإفلاس تلجأ الدولة إلى اتخاذ إجراءات صعبة للغاية مثل:
1 -زيادة الضرائب
2 -خفض النفقات العامة
3 -وقف التوظيف في القطاع العام
4 -كما قد تلجأ إلى البلدان الصديقة أو المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو نادي باريس لإقراضها وإنقاذها من الوضع المالي الصعب.
الخطوات اللاحقة بالإفلاس
1 – يمثل إعلان الدولة إفلاسَها فرصة جيدة لها للإفلات من قبضة الدائنين، حيث تأخذ بعض الدول خطوات جريئة لإنقاذ اقتصادها من الممكن أن تكون عن طريق تأميم بعض الشركات والمصارف.
2 – كذلك قد تلجأ بعض الدول إلى جهات رسمية كصندوق النقد الدولي، الذي يتولى مهمة تقييم الأوضاع الاقتصادية للدولة، ويقوم بمنحها تسهيلات اقتصادية على قروضه على أن تسير على الخطة الاقتصادية التي وضعها لها للخروج من أزمتها.
مقاربة بين الدول المفلسة والعراق
1 – ان حصة وزارة الدفاع لسنة 2019 هو أكثر من تسعة تريليون دينار عراقي، اما المبلغ المخصص للوزارة لسنة 2021 فهو بحدود العشرة تريليون دينار عراقي. ولاحظنا ان المكسيك كان اهم سبب لإفلاسها هو الأنفاق العسكري وهذا متحقق في العراق.
2 – اما في ايسلندا، فان السبب في الإفلاس هو السماح للبنوك بالاستدانة بأحجام ضخمة لتمويل مشاريع، وهو أيضا يحدث بالعراق ولكن الوضع هنا اسوء لان الاستدانة تكون لمشاريع وهميه وبضمانات وهمية والادهى من ذلك هو اعفاء المقترضين من التسديد لان اهم المقترضين هم من كبار السياسيين في الدولة.
3 – الارجنتين، السبب هو ربط العملة المحلية بالدولار وان العراق يكاد ان تكوون عملته الشبه رسمية هي الدولار حتى ان أحد البرلمانيين يدعوا الى توزيع الراتب بالدولار.
4 – روسيا، سببه تأثر الاقتصاد بالأحداث والأزمات العالمية والعراق الان خير شبيه بروسيا، حتى ابسط الأشياء والسلع تأثرت الان بالأزمة الأوكرانية
5 – المكسيك، نتيجة الصدمات المالية والاقتصادية العالمية كانت السبب الرئيسي بازدياد التضخم وهذا ما حدث الان حيث حدث تضخم أيضا وقد وصل لأكثر من 20 % والأمور في ازدياد أكثر.
6 – لبنان وكما اوضحنا أعلاه ان السبب هو السياسة الاقتصادية الخاطئة للبلاد وهذا موجود وأوضح من لبنان، وكذلك التضخم والدين والبطالة، ونلاحظ ان كل أسباب الإفلاس في لبنان هي موجودة بالعراق لكن الشيء الوحيد الذي دفع الإفلاس عن العراق الان هو ارتفاع سعر النفط.
النتيجة
1 – العراق هو دولة ريعية وان الأسعار العالمية للنفط تؤثر مباشرة على الاقتصاد العراقي وهذا عشناه جليا اثنا جائحة كورونا، وان الأسعار للنفط لو لم تتعافى، لأعلن العراق إفلاسه.
2 – ان أسباب الإفلاس كلها متوفرة ونحن نقترب منها يوما بعد يوم.
3 – اثار الفشل في السياسة الاقتصادية واضحة دون ان تقدم الحكومة حلول وحتى الحلول المقترحة منها (الورقة البيضاء) هي تخالفها وتعمل على خلافها.
محمد المعموري, [4/7/2022 11:40 AM]
4 – الإفلاس هو اتي لا محالة وهذا ما تنبا به الاقتصادي الكبير المرحوم الدكتور الجلبي وأيضا هذا ما قاله وزير المالية الحالية الدكتور علاوي.