الاتجاه - مقالات
بقلم: حسن كريم الراصد
رغم انها مجرد سبعة ايام فقط الا أنها كانت حافلة بالاحداث وردات الفعل والترقب والأنتظار والأمل .. فالخطوة الاولى نصف الطريق والالف ميل تبدأ بخطوة وهذه الخطوة تحدد مصير المسيرة الطويلة . فان كانت نحو الهدف المنشود فهي تصل بالسائر لهذا الهدف وان طال الزمن وان كانت بالأتجاه الخاطئ فلا يزيدك سرعة المسير الا بعدا عن الهدف كما ذكر اصحاب الذوق .. اما من ناحية المتتبع والجمهور المراقب فهي تمثل الانطباع الاول وخاصة عند العامة . وهي ايضا تمثل الضربة الاستباقية بالنسبة للخصوم والتي ستحدد مصير المعركة معهم ..
وهنا ومن خلال السبعة ايام المنصرمة كانت خطوات السوداني تبدو انها بالاتجاه الصحيح عند عامة الناس بعد ان تلمسنا رضا وارتياح مشوب بالحذر وشعور بأن الرجل جاد في معالجة ملفات الفساد والتي تمثل أس المشاكل في البلاد ..وأما من جهة الخصوم المتخندقين على ساتر الفساد فقد تلقوا ضربة خاطفة غير متوقعة التوقيت اربكتهم ونشرت الذعر في صفوفهم فباتوا يبحثون عن طرق الفرار ولم يفكروا بالمواجهة وكأن السوداني تمسك بالحكمة الشعبية فضرب الثعلب ليرعب الذئب . ولكن .
ولكن في سرعة الخطوات تأتي الاخطاء بعد أن يزداد الترحيب الجماهيري الذي سيرفع من سقف المطالب والانجازات وهذا يمثل عامل اغراء وضغط على الحاكم الذي سيسعى لارضاء العامة دون النظر للأثار الوضعية المترتبة على القرارات الخطيرة التي قد تكون عاملا قويا في اجهاض التجربة ووئد المنجز .
فالشارع مثلا يطالب بخفض سعر صرف العملة ويمسك على السوداني تصريحات له سابقة تطالب بذلك وهذا يمثل مأزق كبير له وورطة ظهرت واضحة اثارها في أول مؤتمر صحفي عندما ارتبك اداء السوداني في أجابته عن تعامله مع هذا الملف وظهر أنه لم يعد العدة لمواجهة هكذا أسئلة من صحافة وأعلام مشاغب يحب الاثارة وأحراج المسؤول . وقد كان بأمكان السوداني أن يخرج من المأزق بجواب دبلوماسي مقنع للجمهور لو انه قال الحقيقة التي نحن ندركها رغم انها ليست من اختصاصاتنا .
فالواقع يقول : ان قرار رفع سعر الصرف سيئا جدا تحمل الفقراء تبعاته بعد ان كان قد اثر سلبا على الطبقة الفقيرة وزاد من تخمة الأغنياء لكن قرار خفض سعر الصرف سيكون أسوأ من سابقه وستكون تبعاته كارثية كما القرار الاول . الا ان السوداني تهرب والقى الكرة في ملعب البنك المركزي الذي ليس مستقلا بقراراته بل هو مؤوسسة خاضعة للحكومة كما يعلم الجميع .
وهنا سيضغط الجمهور وسيطالب باكثر من هذا وسيفتح ملفات تمثل اخطاء وجرائم ارتكبتها الحكومات السابقة وسيُطالب السوداني بمعالجتها وسترفع قنوات الطابور الخامس ومرتزقة السفارات شعارات براقة وطني ظاهرها مدفوف بالسم باطنها يرددها البسطاء خلفهم مثل طرد الاتراك من شمال البلاد او تنفيذ أحكام الاعدام بنزلاء بوكا أو تنفيذ الاتفاقية الصينية او طرد الشركات الاميركية وكل تلك المطالب هي بالحقيقة ألغام ان اقترب منها السوداني اليوم انفجرت بوجهه واسقطت حكومته الوليدة .
لذلك على السوداني تجنب القرارات الانفعالية الناتجة من ضغط الجمهور والتأني في اتخاذ قرارات مصيرية حتى يتمكن من الحكم ويوطد اركان دولته ويكسب القدرة والقوة بعد ان يستمدها من الشعب . وعلينا كاعلاميين ومتابعين عدم الضغط على الرجل وتركه يدير الامور بدهاء ونفس طويل بلا بعقلية الثوار فلسنا في كوكب آخر بل في الارض التي اصبحت قرية نؤثر ونتأثر بما يجري في أصقاعها كلعبة دومينو متصلة أحجارها ..