بقلم: محمد كامل محمد

تبدو حقوق الإنسان مرتبطة في ظهورها كمواثيق وقوانين ومعاهدات دولية بظهور النظم الديمقراطية الغربية، فقد كان واضحا مدى الارتباط الوثيق بين إمكانية تطبيق أو حتى الحديث عن حقوق الإنسان في العالم بشكل الأنظمة السياسية الحاكمة وسلطاتها،فمن ناحية لم يكن ثمة مكان للحديث عن حقوق للإنسان في عهد الأنظمة الاستبدادية سوى في الفلسفات والنظريات الفكرية، و من ناحية أخرى فإن الديمقراطية الليبرالية في أوروبا جعلت الحرية الفردية محورها الأساس وبدت الصياغة محكمة بين تحقيق هذه الحرية وتحقق تلك الحقوق وفقا للمفاهيم الغربية الحديثة، لا سيما وأن تلك الحرية تم تحديدها بأنها تقف عند حريات الآخرين، ما يعني ضمانة لتلك الحقوق. 
لكن الأمور على أرض الواقع لم تكن تبعا لهذا التنظير، فقد استمر الغرب في هتك حقوق الإنسان حتى في أرقى ديمقراطياته، ففي الولايات المتحدة بقي التمييز العنصري قائما حتى ما بعد منتصف القرن العشرين، وفي بريطانيا الأعرق في الديمقراطية لم يكن للنساء حق الانتخاب حتى عام 1928. بل حتى في السويد لم تحصل النساء على هذا الحق إلا في وقت متأخر من القرن المنصرم.. فضلا عما مارسه الغرب من انتهاك لحقوق الإنسان طيلة فترة الاستعمار للدول الأخرى بشكل خاص في العالمين الإسلامي والعربي. 
يقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشمولية وعمومية حقوق الإنسان حيث تنص ديباجته على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة. وهذا الإعلان يشتمل على الحقوق و الحريات الأساسية التي أبرزها (الحق في عدم التمييز، الحق في الحياة والحرية والأمن، تحريم التعذيب والعقاب، حق المساواة أمام القانون، حق الحصول على محاكمة عادلة). ويلاحظ أن هذه الحقوق قد أقرها ودعا إليها الدين الإسلامي الحنيف قبل هذا الإعلان بقرون من الزمن، فقد أقر الإسلام بتساوي الناس جميعهم وألا فرق بينهم إلا بالتقوى، وهم سواسية كأسنان المشط. وحرم قتل النفس وعد من قتل نفسا كمن قتل الناس جميعا.. وفي كل تشريعات الفقه الجنائي الإسلامي هناك احترام واضح للمدان وحقه في الظفر بالعدالة التي هي ركن أساسي من مبادئ الشريعة الإسلامية فالله تعالى يدعو إلى العدل والإحسان.. 
المشكلة التي عانت منها البلدان الإسلامية ومنها العراق في أغلب حقب التاريخ هو تسلط الطغاة وحكم الأنظمة الدكتاتورية التي استهانت بكل حقوق الناس وانتهكتها ولم تراعِ شرعا أو قانونا أو عرفا في سبيل تثبيت دعائم عروشها على جماجم الأبرياء. لهذا أصبحت حقوق الإنسان لدينا في ظل تلك الأنظمة ومنها نظام البعث المقبور حقوقا ضائعة مستهترا بها ولم يحظ أي مواطن عراقي ولو بجزء من تلك الحقوق. لهذا كان التغيير بعد الإطاحة بالنظام البائد فاتحة عهد جديد لتأسيس نظام يحترم تلك الحقوق ويراعي كرامة المواطن ويحرص على صيانتها.
حقوق الإنسان من أهم المكاسب في العراق الجديد بعد أن كانت معدومة وقت النظام الصدامي البائد، وعلى الجميع الحفاظ على هذا المكتسب. ولعل هذه الدعوة في المحافظة على المكتسب غير المسبوق في تاريخ الشعب العراقي تعبر عن رؤية (حركة حقوق) التي تمثل الصفحة السياسية من كتاب ضخم اسمه المقاومة الإسلامية وثوابتها المبدئية والوطنية. وهي مهمة ومسؤولية الجميع في حفظ حقوق الإنسان فالدفاع عن حقوق الآخرين هو أجلى ممارسة تتماهى في عمق البعدين الأخلاقي والشرعي لقضية حقوق الإنسان. 
الحقيقة أنه برغم أن الغرب الرأسمالي جعل الحرية الفردية محورا أساسيا لديه إلا أنه لم تكن هذه الحريات دون حدود، ودون قوانين تنظم الحياة السياسية والاجتماعية مع ضرورة الالتفات إلى اختلاف الأعراف والتقاليد والمفاهيم في تلك المجتمعات عن مجتمعاتنا الإسلامية والعربية. ولهذا فان تطبيق الديمقراطية في البلدان المسلمة لا يعني استنساخ الأعراف والتقاليد لأنه أمر غير ممكن ويتعلق بهوية هذه البلدان المحافظة. فالديمقراطية هي إطار ينظم العلاقة داخل المجتمع على الأصعدة السياسية والاجتماعية وليس هدم وقطع تلك العلاقات وبناء منظومة قيم بديلة على النحو الذي يجعل مجتمعاتنا فاقدة لخصوصيات هويتها.